استمع الى القرآن الكريم

تحقيق أحاديث استخارة الرسول صلى الله عليه وسلم



الحمد لله القائل ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله )) ، والصلاة والسلام على نبيه القائل:(( إذا همّ _أراد_ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة...))، وعلى آله وصحبه أجمعين .أما بعد.

تحقيق أحاديث استخارة الرسول صلى الله عليه وسلم
قد يتـبادر إلى أذهان البعض سؤال مهم وهو : هـــل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستخير أو يكثر منها ؟ ولماذا ؟ .والجواب يتمثل في محورين :
المحور الأول :ما جاء من أحاديث في استخارته :
الحديث الأول :
عن عبد الله ابن مسعود t أن النبي r كان إذا استخار الله في الأمر يريد أن يصنعه قال: (( اللهم إني أستخيرك ...)).
التخريج :
أ – الطبراني في المعجم الكبير (م 10/ ص 91/ حديث 10052) تحقيق الشيخ حمدي عبد الحميد السلفي
ب – الشاشي في مسنده (م1/ص 368/359) تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله .
ج - الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد م 3/ص 45) باب ذكر من اسمه واسم أبيه عيسى .
والحصيلة أن كل هذه الروايات مجتمعة لا ترقى إلى الاحتجاج بها ، لأنها من طريق محمد بن عمران أبي ليلى عن أبيه ،وقد تفرد بها ، وأبناء أبي ليلى متكلم فيهم وخصوصاً محمد بن الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري فقد كان سيئ الحفظ جداً .
الحديث الثاني :
عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t أن النبي r ركب إلى قباء وعلى الحمـار إكاف([1]) فقـال: (( أستخير الله تعالى في ميراث العمة والخالة ، فأوحى الله إليه أن لا ميراث لهما )) .
التخـــــــــــــريــــج :
أ‌- أخرجه الحاكم موصولاً في المستدرك ( ج 4 / ص 381/ حديث 7998) وقال : (فقد صح حديث عبد الله بن جعفر بهذه الشواهد) وقصد بذلك حديث (7996) وليس فيه لفظ الاستخارة ، وقال ابن حجر في التلخيص/م 3/ص 1064/حديث 1346): (في إسناده عبد الله بن جعفر المـديني وهو ضعيف). أما الحديث: (7998) ففي سنده ضرار بن صرد وهو متروك ، وأخرجه من طريق الحارث بن عبد الله (7997) وليس فيه لفظ الاستخارة ، وفي سنده سليمان بن داود وهو متروك .
ب‌- أخرجه أبو داود في المراسيل عن عطاء بن يسار وذكره البيهقى في السنن الكبرى (م 3/ص 350/حديث 12204) عن أبي داود .
ج- الطبراني في المعجم الصغير (م 2/ص 141/حديث 927) موصولاً ، ثم قال: ((لم يروه عن صفوان إلا الدراوردي ولا عنه إلا أبو مصعب تفرد به محمد بن الحارث ولا أعلم أحداً ذكره إلا بخير)) ، وقال الحافظ ابن حجر ( التلخيص م 3/ ص 1064/ حديث 1346) : (وليس في الإسناد من ينظر في حاله غيره) أي شيخ الطبراني محمد بن الحارث المخزومي .
د - سعيد بن منصور رفي سننه ( م 1/ ص 90 / حديث 163) عن عطاء مرسلاً .
هـ - الدار قطني في سننه (م 4/ ص 98/ حديث 95) عن عطاء بن يسار مرسلاً .
الخلاصــــة : هذه الروايات مجتمعة لا ترقى إلى الاحتجاج بها .
الحديـــــــث الثالـــــــــــــث :
عن أبي بكر الصديق t أن النبي r كان إذا أراد أمراً قال: ( اللهم خر لي واختر لي ).
التخــــــــــريـــــج :
أ‌- الترمذي في سننه ( م 5/ ص 535/ 3516) .
ب- أبو يعلى في مسنده ( م 1/ ص 45/ حديث 44) تحقيق الشيخ حسين أسد .
ج - ابن شهاب في مسنده ( م 2/ ص 334/ حديث 1471) .
د - البزار في مسنده(م1/ص 129/حديث 59) تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله.
الخلاصــــــة :
أن كل هذا الروايات مجتمعة لا ترقى إلى الاحتجاج بها ؛ لأنها من طريق زنقل بن عبد الله القرفي وهو ضعيف عند أهل الحديث ،كما أن الحديث ليس فيه ما يدل على الاستخارة المعروفة ، ولمزيد من الفائدة في التخريج انظر السلسلة الضعيفة (حديث 1515) للألباني .
الحديث الرابع :
ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره ( م 2/ 348/ التوبة :29) دون سند أن الرسول r لما خرج يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك فنزل بها . وأقام بها قريباً من عشرين يوماً، ثم استخار الله في الرجوع فرجع عامه ذاك لضيق الحال وضعف الناس .
خلاصــــــــــــــة المسألـــــــــة :
لم يصح عن الرسول r أنه استخار ، والأحاديث في ذلك مع ضعفها فإن متنها لا يتناسب مع أهمية الاستخارة ولامع حرصه r على تعليمها في الأمور كلها .
المحور الثاني : تعليلي
الأصل في الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم - ، عدم مخالفتهم لأتباعهم فيما يدعونهم إليه ، كما أخبر المولى سبحانه وتعالى على لسان النبي شعيب – عليه السلام - ]قَالَ يقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [ . ( هود :88)
ولكن معرفة الحكمة من وراء ذلك ؛ تزيد المسلم يقينا ، ومن ذلك عدم استخارته مع شدة حرصه على تعليمها، ويمكن تلخيصها في الآتــي :
1) فالمولى سبحانه وتعالى قد أغناه بوحي النبوة ؛ فلهذا r ليس بحاجة إلى الإلهام([2]).
2) الأصل أن الإيمان يبلى من قلب المؤمن ، وقد دل على ذلك قولـه : r (( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ))([3])، أما إيمانه r فلا يبلى ، وعلاقة ذلك بالاستخارة أن فيها من التوكل والرضا وصلاح البال.. ما يجعل العبد مستحضراً صفات الخالق والمخلوق ، ومن ثم تكون أعماله بمقتضى هذه المعرفة،وكل هذا موجود فيه r .
3) الرسول r لا يحتاج إلى الطمأنينة على إخلاص نيته([4]) ، لحسن إخلاصه وعدم قدرة الشيطان من التسلط عليه .
4) غيرها من الثمار الكثيرة الموجودة في صلاة الاستخارة والتي سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى .
هذا ما يسر الله إذ استخرته والخير ما اختاره الله .
نقلا عن كتاب (( صلاة الاستخارة كيف تتقنها لتجدد إيمانك ؟))
________________________________________
([1] ) أي وسادة توضع تحت الراكب محشوة بالليف.
[2] ) سيأتي في فصل :(( أتحــــــــــــب أن تكون ملهما ؟! ))
[3]) ) أخرجه الحاكم في المستدرك (ج1/ص 45/حديث 5) وصححه ، وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة 1585)) .
[4] ) تنبيه : ينبغي التفريق بين الطمأنينة على إخلاص النية وبين الخوف من عدم تقبل العمل ، فالثاني علامة مهمة جدا من علامات الإخلاص الكثيرة .  


تحقيق أحاديث استخارة الرسول صلى الله عليه وسلم Reviewed by Unknown on 1:27 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جميع الحقوق محفوظة لـ مدونة حلاوة الإيمان:حب الله و رسوله © 2013 . يتم التشغيل بواسطة Blogger.