شرف الحديث والمحدثين

مدونة حلاوة الإيمان:حب الله ورسوله




شرف الحديث والمحدثين

حث الله تعالى عباده على تعلم العلم ، ومدح العلماء وأشاد بذكرهم ، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته على توحيده سبحانه ، فقال: {شهد الله أنه لا إله إلا هووالملائكة وأولوا العلمقائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}( آل عمران 18)، وحصر خشيته فيهم فقال جل وعلا : {إنما يخشى الله من عباده العلماء}( فاطر 28)، ونفى المساواة بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون فقال :{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}( الزمر 9)، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العلماء هم ورثة الأنبياء ، وأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ، إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على فضل العلم والعلماء .
وعلم الحديث من أجل العلوم وأشرفها وأعظمها عند الله قدراً ، فبه يعرف المراد من كلام الله عز وجل ، وبه يطلع العبد على أحوال نبيه - صلى الله عليه وسلم - وشمائله ، وناهيك بعلمٍ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بدايته ، وإليه مستندُه وغايته ، وحسب الراوي للحديث شرفًا وفضلاً ، وجلالة ونُبلاً، أن يكون في سلسلة آخِرُها الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولذلك قال بعض أهل العلم : "أشدُّ البواعث وأقوى الدَّواعي لي على تحصيل علم الحديث لفظ"قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- " .
فمن
تحمل الحديث واشتغل بتعلمه وتعليمه ، كان له الحظ الأوفر من هذا المدح
للعلماء ، وكفى بذلك شرفاً للحديث وحملته ، بل إن صرف العمر في تعلم الحديث
ونشره أفضل من الاشتغال بنوافل القربات ، وما ذاك إلا لما فيه من بيان
القرآن ، وإحياء سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والتأسي به ، ولو لم
يحصل لأهله من الفضل إلا كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
التي ورد فيها ما ورد من الفضل الجزيل ، كقوله عليه الصلاة والسلام :(أولى الناسبي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة)رواه الترمذي وحسنه، وأهل الحديث هم أكثر الأمة صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقد قيل في قوله تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم}(الإسراء 71): " ليس لأهل الحديث منقبة أشرف من هذه ، لأنه لا إمام لهم غيره - صلى الله عليه وسلم- " .
ويكفي أهلَ الحديث شرفاً وفضلاً دخولهم في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال - كما في السنن - : (نضَّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ، فرب حامل فقه إلى من هوأفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه) ، قال سفيان بن عُيَينة: "ليس من أهل الحديث أحد إلاوفي وجهه نضرة ، لهذا الحديث" .
كما أن الاشتغال بعلم الحديث تبليغ عن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - وامتثال لأمره ، حين قال : (بلغوا عني ولو آية)رواه أحمد وغيره.
وقد
بشَّر - صلى الله عليه وسلم - بحفظ هذا العلم ، وأن الله عز وجل يهيء له
في كلّ عصر خلفًا من العُدُول ، يحمونه وينفون عنه التحريف والتبديل ،
حماية له من الضياع ، وكفى بذلك شرفاً وفضلاً ، فقال في الحديث المشهور : (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنهتحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين)رواه ابن عبدالبر وغيره وحسنه، وكانالإمام الشافعي رحمه الله يقول : "لولا أهل المحابر ، لخطبت الزنادقةُ على المنابر" .
ومما
يدل أيضاً على شرف الحديث وأهله ، ما ورد عن السلف والأئمة من تعظيم للسنة
، وإجلالهم لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول عمرو بن ميمون: " ما أخطأني ابن مسعودعشية
خميس إلا أتيته فيه ، قال : فما سمعته يقول بشيء قط قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فلما كان ذات عشية قال : قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قال :فنكس ، قال : فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه ، قد اغرورقت عيناه ، وانتفخت أوداجه"رواه ابن ماجة، وكان ابن سيرينإذا ذُكر عنده حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو يضحك خَشَع ، واشتهر عن الإمام مالك رحمه
الله في ذلك أَكثر من غيره ، فكان إذا أَراد الحديث اغتسل وتطيب ولبس أحسن
ثيابه وجلس على منصة خاشعاً ، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من الحديث ،
ويقول: أحب أن أعظم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يكره أَن
يحدِّث وهو قائم أو مستعجل ، وما ذاك إلا تعظيماً للنبي - صلى الله عليه
وسلم - ، وإجلالاً لحديثه وكلامه .
وهذا
التعظيم للحديث ، والحرص على نقله ، والتأسي به - صلى الله عليه وسلم - في
الدقيق والجليل ، من أعظم علامات محبته ، والمرء مع من أحب يوم القيامة ،
وقد جاء في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : (جاء
رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، متى
الساعة ؟ قال : وما أعددت للساعة ؟ قال : حب الله ورسوله ، قال : فإنك مع
من أحببت)، قال أنس:"فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي - صلى اللهعليه وسلم - فإنك مع من أحببت ، قال أنس فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكروعمرفأرجو أنأكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم"، وأهل الحديث هم أولى الناس بهذا الوصف .
ولذلك قال الشافعي: "أهلُ الحديث في كل زمان كالصحابة في زمانهم ، وكان يقول :"إذارأيتُ صاحبَ حديثٍ فكأني رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
أهل الحديث همُ أهل النبيِّ وإن*لم يصحبوا نفْسه أنفاسَه صحِبوا
فعلم
بذلك شرف أهل الحديث ، وعلو مكانتهم في الدين ، وأن الاشتغال بالحديث من
أعظم الطاعات وأجل القربات ، فينبغي على المسلم أن يعتني بحديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم حفظاً وفهماً، وتعلماً وتعليماً .


شرف الحديث والمحدثين
Reviewed by Unknown
on
7:55 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: